المقامة الليبرالية: رواية خاسر بن خيبان!
حَدّثَ خَاسِرُبنُ خَيْبَانَ قَالَ: سَعَى ابْنٌ لأَبِيْ الْفَتْحِ اللّيبْرَالِيّ فِيْ بِعْثَةٍإِلَى مَهْوَى فُؤَادِ أَبِيْهِ، يَنْشُدُ بِهَا ثَمَرَاً، وَيَكْتَسِبُ فِيْأَكْنَافِهَا خَبَرَاً، فَجَاءَتْهُ مِنْحَةُ الْمَلِكِ، وَنَالَ مُبْتَغَاهُ،وَحَضِيَ بِمَسْعَاهُ، فَحَزَمَ حَقَائِبَهُ، وَوَدّعَ أَقَارِبَهُ، وَبَيْنَمَاهُوَ خَارِجٌ لاَ يَلْوِيْ عَلَى شَيْءٍ، إِذْ بَأَبِيْهِ يَؤُمّهُ، وِإلَىالأَحْضَانِ يَضُمّهُ، ثُمّ أَوْصَاهُ وَأَنَا أَسْمَعُ: "أَيْ بُنَيّ.. إِنّأَبَاكَ قَدْ وَلّى زَمَنُهُ، بَعْدَ أَنْ فَاحَتْ رِيْحُهُ وَظَهَرَ عَفَنُهُ،وَقَدْ نَالَ مِنَ الشّهْرَةِ مِا مَلأَ الآفَاقَ، وَرَكِبَ مِنَ الْبَوَائِقِ مَايَخْرِمُ الأَذْوَاقَ، وِإِنّيْ عَلَيْكَ لَمُشْفِقٌ، وَإلَى أَنْ تَخْلُفَنِيطَامِحٌ، وَهَا أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى أَرْضِ التّعَلّمِ، وَمَرْتَعِ التّقَدّمِ،وَحَضَارَةٌ تُعْبَدُ، وَبَلَدٌ يُقْصَدُ، فَإِذَا أَتَيْتَهُمْ فَكُنْ عَبْدَ مَايَشْتَهُوْنَ، وَأَطْوَعَ النّاسِ لِمَا يَنْشُدُونَ، وَلاَ تَفْجَعَنّهُمْبِلِبَاسِ قَوْمِكَ، وَلاَ بِتَقَالِيْدِ أَهْلِكَ، وَلْيَكُنْ أَوّلَ مَاتَبْتَدِئُ بِهِ شَعْرَ وَجْهِكَ، فَاحْلِقْهُ، فَإِنّهُ أَنْعَمُ لِخَدّكِوَأَذْهَبُ لِرُشْدِكَ، أَمّا شَعْرُ رَأْسِكَ فَزِدْهُ انْتِفَاشَاً وَشَعَاثَةً،فَإِنّهُ عَلاَمَةُ الْتّحَرُّرِ وَالْحَدَاثَةِ، وَاعْلَمْ أَنْ الْمَظْهَرَعَلاَمَةُ الْمَخْبَرِ، وَأَنّ الْمِشْيَةَ دَلِيْلُ الْفِتْنَةِ، فَاسْعَ مِنْالْوَجْهَيْنِ إِلَى مَا يُوْبِقُكَ... أَفَهِمْتَ يَابْنَ الْخَبِيْثَةِ؟! ثُمْالْبَسْ مَا ضَاقَ، وَلا تَخْشَ الإِنْفَاقَ، فَالْمَالُ مِنْ غَيْرِ كَدّكَ،وَالْقَصْدُ فِيْ الأَمْرِ يَرُدّكْ، وَإِذَا حَضَرَ الْشّرَابُ فَانْهَبْ، وَإِذَاقُدّمَ الْخِنْزِيْرُ فَاقْرَبْ، فَإِنّهُمْ إِنْ رَأَوْا فِيْكَ كَرَاهَةًحَقَرُوْكَ، وَذَمِرُوْا مِنْكَ وَأَبْعَدُوْكَ، ثُمَّ إِذَا حَدّثْتَ فَلاَتَذْكُرْ وَطَنَكَ بِخَيْرٍ، وَلاَ تُرِيَنّهُمْ مِنْ تَغَرّبِكَ ضَيْرٌ، وَإِذَاذُكِرَ دِيْنُكَ فَأَوْسِعْهُ ذَمّاً، وَإِنْ ذَكَرُوْا شَيْخَاً فَأَشْبِعْهُشَتْمَاً، وَاحْذَرْ أَنْ تَذْهَبَ إْلَى مَسْجِدِ جُمُعَةٍ، أَوْ تَرْكَعَ مَعَمُسْلِمٍ رَكْعَةً، وَلْيَكُنْ فِقْهُكَ الإِنْسَانُ، وَدِيْنُكَ النُّكْرَانُ،وَاجْتَنِبْ بَنِيْ جِلْدَتَكَ، إِلاّ مَنْ يَكُوْنُ مِنْ طِيْنَتِكَ، فَاتّخِذْهُخَلِيْلاً، وِإلَى الْمُلْهِيَاتِ دَلِيْلاً، فَإِنّهُ يُعِيْنُكَ عَلَى شِرَاءِمُسْكِرٍ، وَيُقَوّيْكَ عَلَى اقْتِحَامِ مُنْكَرٍ، ثُمّ احْذَرْ مِنْهُمُالْفِتْيَانَ، وَاتّخِذْ مِنْ الْصّبَايَا الأَخْدَانَ، فَذَلِكَ أَضْمَنُللشّهَادَةِ، وَأَقْرَبُ لِمَنْحِ الْقِيَادَةِ...، أَفَهِمْتَ لاَ أُمّ لَكْ؟! ثُمّ إَذَا جَاءَ عِيْدُهُمْ فَافْرَحْ، وَنَاِدِمْهُمُ الشّرَابَ وَلاَ تَبْرَحْ،وَلْيَرَوْا مِنْكَ أَنْذَلَ الْنَّاسِ عَلَى مُعْطِيْهِ، وَأَلَدّ خَصْمٍ عَلَىمَاضِيْهِ، وَخُذْ بَأَبِيْكَ دَرْسَاً، وَلِيَوْمِكَ مَا يُنْسِيْكَ أَمْسَاً،وَتَذَكّرْ قَوْلَ جَدّكَ
دَقّنِيْ الْجُوْعُ سِنِيْنَاً
...... حِيْنَ رَاعَيْتُ الأَمَانَةْ
وَتَلَقّانِيْ السّفِيْرُ بِحِضنٍ
........ يَوْمَ لاَزَمْتُ الْخِيَانَةْ
إِنّ دِيْنِيْ هُوَ رِزْقِيْ
.......لَيْسَ لِلرّزْقِ دِيَانَةْ
فَأَنَا مَاضٍ لِدَرْبِيْ
...... قَاصِدَاً أَقْرَبَ حَانَةْ
قَالَ خَاسِرُ بنُ خَيْبَانَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَبوْمُرّةَ* يَسْمَعْ، وَإِنّ عَيْنَاهُ لَتَدْمَعْ، فَظَنَنْتُهُ قَدْ رَقّلِنَجَابَةِ تِلْمِيْذِهِ، لَكِنّهُ تَمْتَمَ وَاسْتَعْبَرَ، وَحَوْقَلَوَاسْتَغْفَرَ، وَقَالَ رَبِّ وَعَدْتَنِيْ الإِمْهَالَ وَعَذَابَ الآجِلَةِ،وَإِنّيْ أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا سَمِعْتُ وَمِنْ عَذَابِ الْعَاجِلَةِ، ثُمَّشَرّقَ هَارِبَاً وَغَرّبْتُ خَشْيَةَ الْنَّازِلَةْ..!
ـــــــأبومرّة: إبليسُ لعنهُ الله.
__________________