مشاهد لا تنسى
حياة نجيب سرور بأكملها كانت أقرب لحكاية ساخرة أو مأساة إنسانية.. اخترت مشهدين اعتبرتهما "مشاهد الذروة" في حكاية الشاعر المتمرد..
المشهد الأول..بعد خروجه من مستشفى الأمراض العقلية..كان مريضا بالسل ويحتاج للعلاج..ويعيش مع زوجته الروسية وولديه "شهدي وفريد" بدون مصدر دخل ..اتصل به أحد المسئولين الكبار في وزارة الإعلام وطلب مقابلته..نجيب قطع المسافة من منزله بميدان الجيزة إلى ماسبيرو مشيا ً ليوفر مصاريف المواصلات..يقابله المسئول ويطلب منه تأليف وإخراج 15 مسرحية للتلفزيون المصري مقابل خمسة آلاف جنيه للمسرحية الواحدة..بشرط أن تكون مسرحيات خفيفة موجهة لجمهور النفط..يعني شوية رقص وبنات حلوة وكام إفيه كوميدي..عرض مغري وواضح 75 ألف جنيه كافية لانتشال نجيب سرور من أزمته الصحية والمادية مقابل بيع القضية التي عاش من أجلها..نجيب رفض العرض بدون تفكير وعاد لمنزله مشيا على الأقدام من جديد..اختار أن يبيع العالم ويشتري نفسه.
المشهد الثاني..قبل وفاته بشهور وبعد انتصار أكتوبر..وجد البلد حوله تتحول لأقصى درجات الانحطاط الفكري والاجتماعي تحت مسمي (الانفتاح)..لم يتحمل أن يري البلد التي بيذوب فيها عشقا يحدث فيها هذا..قدم مسرحية "اوكازيون" على مسرح وكالة الغوري وانتقد فيها الحكومة ولكنه شعر بان رسالته لم تصل للناس.، وأوقف عرض المسرحية بقرار من وزير الثقافة ، شعر بأن خشبة المسرح لا تكفي لاحتواء موهبته الكاسحة وحبه الجارف لمصر فاتخذ أغرب قرار وأقدم على أكثر تصرفات حياته جنونا..فوجئ الناس به يقدم مشاهد مسرحيته في وسط ميدان التحرير..نجم وممثل شهير يقف في أكبر ميادين القاهرة حاملا ابنه الصغير وصائحا "ألا أونا..ألا تري..مين يشتري الورد مني؟"..مشهد مؤثر ومثير للشفقة والإعجاب في الوقت ذاته.. الإعجاب بفنان وهب حياته لوطنه والشفقة عليه مما وصل إليه بسبب تجاهل الوطن له.
قالوا عن نجيب سرور
"إن نجيب سرور ظاهرة إنسانية فريدة قلما تجود بها الأيام ، وسر هذا التفرد هو دقة التطابق بين ما يؤمن به من أفكار وما يسلكه من أفعال في عصر اتسم أصحابه بدرجات متفاوتة من الفصام بين ما يقولونه من أقوال وما يضمرونه من أفكار وما يسلكونه من أفعال."
عصام الدين أبو العلا – ناقد أدبي ومسرحي
"في الساعات الأولى من الخامس من يونيو 1967 حين تأكدنا من الهزيمة الساحقة ، عم الجنون الوادي وأصاب سكانه جميعا ، كل على قدر حاله ، وكلما كان صاحب النفس أكثر رهافة كلما أصابه نصيب أكبر من الجنون ، وقد كان نجيب سرور أكثر البشر الذين عرفتهم حساسية ورهافة، كما كان يحب مصر إلى حد الهوس كما لم أر في حياتي من أحب وعشق إلى هذا الحد."
عبده جبير – روائي وقاص مصري
"نجيب سرور..الشاعر والمخرج والمسرحي العظيم..أحد شهداء الكلمة في هذا الوطن العربي السعيد..الذي ظل يهيم على وجهه في شوارع القاهرة لا يجد سكنا ولا عملا..وحين مات لم يجد قبرا"
أحمد فؤاد نجم – شاعر مصري
"نجيب سرور عاقل رغم أنوفكم.. ولد عاقلا ً وموهوبا ً وعاش وجاد فنـا ً وأدبا ً وشعرا ً وقدرة خارقة على تحريض المظلومين عبر إبداعاته الفنية والأدبية وناضل من أجل مصر والمصريين والعرب ومن أجل الإنسانية عاقلا ً وعبقريا ً وصمد بتحد ٍ أمام أساليب التنكيل والإهانة في أقبيتكم وخارجها ومــات وهو عـاقل."
د.مفيد مسوح – قاص وناقد أدبي
"نجيب سرور فنان لم يدخر ضوءه, فاحترق سريعا كشهاب مرق في سمائنا, و لكنه ترك في نفسي , و في نفوس الكثيرين غيري , أثرا ساطعا لا ينسى.. لأنه أثر الموهبة المبدعة."
د.أبو بكر يوسف – طبيب وصديق نجيب سرور[/font