الأستاذ الجليل رجائي عطية يكتب عن انتخابات المحامين ، والأخوان والوطني
بين المحاجاة بالدين واللعب بالسياس
الاخوان والوطنى فى نقابة الوطنى
تختلف الدعوات، ويجب أن تختلف، عن اللعب بالسياسة والحزبية.. فالدعوات تخاطب الناس وتحاجيها بأنها تنطلق من مبادئ وقيم، وبأن هذه المبادئ مستمدة من الدين، ولها من ثم قداسة واحترام الدين، وهذه المحاجاة هى سبب ضيق ورفض السياسيين إدخال الدين فى السياسة، لأن الدين خالد مقدس مصدره إلهى وقواعده شرعية لا يملك الساسة مقارعتها بمنطق وحجة أو مآرب وأغراض السياسة وألاعيب الحزبية. لذلك فلا يجوز للدعوات التى تستمد قاعدتها ومنهاجها من الدين أن تلعب سياسة بألاعيب يأباها الدين ويلفظها الشرع!
اختيارات الدعوات يجب أن تتسق مع مبادئها، فهى لا تقدم، ولا ينبغى أن تقدم إلاّ ما يعبر عن مجمل عقائدها ومبادئها، فلا يليق بها مثلا أن تصدر راقصة للقيام بوظيفة الثقافة، أو تساند محتالاً لأمانة المال، أو توظف ماجنًا لتولى التربية والتعليم، أو متلافاً لإدارة المرافق العامة، وهذه الشروط وإن كانت لازمة فى اختيارات أى حركة سياسية أو حزبية، إلاّ أنها أوجب وألزم للدعوات، لا يمكن أن يجرى الترخص فيها ناهيك بالمخالفة الصارخة.
فى قضية نقابة المحامين، واحتياجها الضرورى لبرنامج إصلاحى يقوم على كفاءات تحتاز مواصفات الصلاحية والقدرة على الاضطلاع بهذه المهمة الجليلة، تمارس بعض الأحزاب رغبتها فى اختيار من يمثلونها فى مجلس النقابة، تصيب حينا، وتخطئ حينا، وهى فى جميع الأحوال تتعرض للانتقاد السالب والموجب بلا أى حساسيات، لأنها لا تدعى لنفسها قداسة، ولا تحاجى الآخرين بالدين وأحكام الدين.
وقد مارست جماعة الإخوان المسلمين اختياراتها للترشيح لعضوية مجالس نقابة المحامين، سواء للنقابة العامة أو الفرعيات، فالتزمت فى اختياراتها للعضوية بأعضائها المنضوين فيها، وهذا يوفر حدًا أدنى من شروط التوافق أو الصلاحية طبقا لمعاييرها المعلنة - باعتبار أن عضو الجماعة معبر عنها ملتزم بمبادئها الدعوية، أما ترشيحاتها لموقع النقيب فلم تلتزم أبدا بعضوية المرشح للجماعة، مما أثار ويثير البحث فى مدى اتساق اختياراتها لهذا الموقع مع مبادئها الدعوية بحيث لا يشكل الترشيح خروجًا - فى شخص أو صفات المرشح - عن مجمل عقيدتها ومبادئها الدعوية التى تعلن تمسكها بها!
ولقد ظل البعض حريصًا على ترويج أننى رجل الإخوان المسلمين، وأننى كنت مرشحهم فى انتخابات نقابة المحامين ٢٠٠١، ٢٠٠٥، وسأكون مرشحهم فى انتخابات ٢٠٠٩!!،
ولأنى لم أكن أعرف نوايا الإخوان الحالية ولا أملك إحصاءً لما فعله الإخوان المسلمون فى الانتخابات السابقة ـ وهل أعطونى أصواتهم فعلاً أم حجبوها، أو أعطوا جزءًا وحجبوا جزءًا، سيما والواضح الآن أنهم كان لهم ما أرادوا حين أعطوا أصواتهم حقيقة وفعلا لمن اختاروه فى الانتخابات الأخيرة. أقول إنه إذ لم أكن أملك إحصاءً ولا دليلا أستطلع به موقف الإخوان المسلمين الحقيقى منى،
لذلك فقد اكتفيت على مدار طول الأسئلة بل والاتهامات الملحة، بجواب افتراضى لا يسلم بواقع لا يعرفه، ولكنه يؤكد أنه لاغرابة فيه إن حدث، فالإخوان - يسمون أنفسهم بالمسلمين، ويشكلون جماعة إسلامية دعوية وإن لم تلتزم بالدعوة، ودخلت معترك الحياة العامة، ومن ثم فلا غرابة فى تأييدهم لى - إن فعلوا! -
ليس فقط لتاريخى ورصيدى فى المحاماة الذى لاينكره جاحد، ولا لأننى كاتب ناهزت مؤلفاته (٤٠) كتاباً، وإنما لأننى معدود من المفكرين الإسلاميين، وزادت مؤلفاتى الإسلامية على عشرين كتابا فى السيرة النبوية ومناسبات التنزيل وفى شتى المجالات الدينية والمقارنة بين الأديان، وفاز كتابـى «عالمية الإسلام» بجائزة المعرض الدولى للكتاب ٢٠٠٤،
وأكتب منذ الستينيات فى مجلة منبر الإسلام، وفى شتى البرامج الدينية على مدار السنين الطوال للإذاعة المصرية، وأكتب مقالاً أسبوعيًا من نحو عشر سنوات لجريدة صوت الأزهر،
ومنحت من سنين عضوية المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وانتخبت من ست سنوات عضوًا فى مجمع البحوث الإسلامية الذى يزدان برئاسة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وعضوية صفوة علماء الإسلام. فما الغريب إذن إذا أيّد الإخوان المسلمون - إن أيدوا افتراضًا!! - ترشيحى!
ومع هذا الادعاء أو الاعتقاد بتأييد الإخوان، ظل البعض حريصًا على بث وترويج أننى رجل الحكومة والحزب الوطنى، وظل يرددها كأنها تهمة، ولم يكن ذلك صحيحًا،
لا لأن الحزب الوطنى «معرة» أتبرأ منها، وإنما لأن الحقيقة أننى لم أدخل طوال حياتى أى حزب من الأحزاب، لا الحزب الوطنى ولا سواه، وتوكيلى للدفاع عن بعض رموزه أو رموز ووزراء الحكومة أو نجلى السيد رئيس الجمهورية، لم يكن اختيارًا حزبيًا، فالحزب الوطنى ملىء بالمحامين ومنهم كبار لا يشق لهم غبار،
وإنما كان اختيارًا مهنيًا يقوم على معايير مهنية ارتآها هذا أو ذاك ممن اختاروا توكيلى، أصابوا فى اختيارهم أم أخطأوا، ولسوف أعود لهذه المسألة وما كشفته الأحداث الأخيرة، فى مقال لاحق، لأن موضوعى الآن هو «مخاطر المحاجاة بالدين، واللعب بالسياسة»!!!
أثار هذه القضية الاختيار والدعم الأخير لجماعة الإخوان المسلمين لشخص من دفعوا به إلى موقع نقيب المحامين، وغلبوا الحزب الحاكم على تدبيره وأمره، وهذا يكفى للتدليل على أن أحداً من الفريقين لم يردنى قط نقيبًا للمحامين، لا الإخوان أرادونى نقيبًا، ولا الحكومة وحزبها الحاكم أرادونى نقيبًا، فذنبى غير المغفور لهؤلاء وأولاء أننى محام ولائى للمحاماة وأننى صاحب رأى لا أصلح ولا أقبل أن أكون «مطية» لهذا أو لذاك لتنفيذ أجندته فى نقابة المحامين!